جاءت الأيام الأخيرة مليئةً بالأخبار والتصريحات حول سوريا وموقف الإدارة الأمريكية من إدارتها الجديدة، خاصّةً في ما يتعلّق بالعلاقة بين سوريا والولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وسوريا وإسرائيل من جهة أخرى، وذلك على لسان شخصيات بارزة معنية بهذه الملفات.
وتضمّنت كلمة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في جلسة مجلس الأمن، الجمعة 25 نيسان/ أبريل الجاري، عبارات عدة لافتة عن علاقة دمشق بالمنطقة، خاصّةً تل أبيب، حيث قال: "أعلننا مراراً عن التزامنا بأن سوريا لن تشكّل تهديداً لأي من دول المنطقة والعالم، بما فيها إسرائيل". وفي موضع آخر، أقدم على ذكر يهود سوريا في تصريحٍ لافت، بقوله: "عاد بعض اليهود السوريين إلى الوطن لأول مرة، وتفقّدوا معابدهم".
وفي سياق لعبة تبادل الرسائل بين دمشق وواشنطن، في ما يخصّ "شروط" رفع العقوبات عن سوريا والاعتراف بالإدارة الجديدة، فإنّ سوريا ردّت عبر رسالة مكتوبة على طلب أمريكي سابق باتخاذ تدابير لبناء الثقة يتضمّن قائمة شروط لرفع جزئي محتمل للعقوبات، قائلةً إنها طبّقت معظمها، لكن البعض الآخر يتطلّب "تفاهمات متبادلة"، وذلك بحسب وكالة "رويترز".
وفي الرسالة المكوّنة من أربع صفحات وفق مصادر الوكالة العالمية، تتعهّد دمشق بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية مهمّته البحث عن الصحافي الأمريكي المفقود أوستن تايس، وتورد بالتفصيل إجراءاتها للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيميائيّة، ومنها تعزيز روابط الاتصال مع منظّمة حظر الأسلحة الكيميائيّة، لكن الرسالة لم تذكر الكثير من التفاصيل عن مطالب رئيسة أخرى، مثل إبعاد المقاتلين الأجانب الذين جاء الحديث عنهم في سياق أنّ الحكومة الجديدة علّقت إصدار الرتب العسكريّة للمقاتلين الأجانب مع طلب جلسة تشاوريّة أوسع حول هذه القضية مع الولايات المتحدة، كما لم يتم ذكر تفاصيل عن منح الإذن لواشنطن لشنّ ضربات لمكافحة الإرهاب في سوريا.
ينبّه البابا إلى أنّ "الحكومة الجديدة قرّرت منذ اليوم الأول أنّ الأولويّة هي لمصلحة سوريا الوطنية، ولإعادة بناء اقتصادها، وبنيتها التحتية، ورفع العقوبات عنها، وذلك لا يتمّ في ظلّ استمرار حالة العداء مع المحيط، الموروثة من النظام الساقط"
وأشارت الوكالة، إلى أنّ الرسالة تضمّنت أيضاً أنّ الحكومة الجديدة لن تتسامح مع أي تهديدات للمصالح الأمريكيّة أو الغربيّة في سوريا، فضلاً عن تشكيل لجنة لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينيّة، مع عدم السماح بوجود فصائل مسلّحة خارج سيطرة الدولة، كما لن يُسمح بأن تصبح سوريا مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل.
بدوره، أكد متحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأمريكيّة، أنّ واشنطن تلقّت ردّاً من دمشق على طلب أمريكي باتخاذ تدابير محدّدة ومفصّلة لبناء الثقة، وأشار إلى أنه يجري حالياً تقييم الردّ السوري، وليس لديهم ما يعلنونه في الوقت الحالي، مردفاً أن الولايات المتحدة "لا تعترف بأي كيان بوصفه الحكومة السورية، وأي تطبيع للعلاقات في المستقبل سيحدَّد بناءً على الإجراءات التي تتخذها السلطات المؤقّتة".
ما سبق، خلق حالة انقسام لدى المعنيين بالتطورات في سوريا، فأيّد فريق منهم تصريحات الشيباني وأسلوب تعامل الإدارة الجديدة مع واشنطن، بينما عدّ فريق آخر هذه التصريحات وتلك المواقف تنازلات وإن أقرّ بها كجزء من لعبة الدهاء السياسي والدبلوماسي، مع وجود تيار ثالث يرى فيها أخطاء قد تؤثّر على مستقبل البلاد.
"الهدف إحراج إسرائيل"
من وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي نور الدين البابا، فإنّ "النظام السابق عمل طوال عشرات السنوات على تدمير كل مقوِّمات قوّة سوريا في مواجهة أعدائها، ومكّن إسرائيل من أراضيها برّاً وجوّاً، وتالياً ورثت الحكومة الجديدة بلداً مدمّراً، منزوع الإمكانات الدفاعية والأمنية. وفي الوقت ذاته، وتحت ستار 'المقاومة والممانعة'، تمكّنت المليشيات الإيرانية من سوريا، وعاثت فيها إفساداً وتقتيلاً، فسلّمت منها إسرائيل، ولم يسلم منها الشعب السوري".
وينبّه البابا، في حديثه إلى رصيف22، إلى أنّ "الحكومة الجديدة قرّرت منذ اليوم الأول أن الأولويّة هي لمصلحة سوريا الوطنيّة، ولإعادة بناء اقتصادها، وبنيتها التحتيّة، ورفع العقوبات عنها، وهذا لا يتم في ظلّ استمرار حالة العداء مع المحيط، الموروثة من النظام الساقط، والتي كانت أقرب إلى البروباغندا منها إلى العداء القائم على أسباب وطنية حقيقية".
وحول تصريحات الوزير الشيباني، يلفت البابا إلى أن الأمر "لا يخلو من إحراج دبلوماسي كبير لإسرائيل في ما يتعلّق بعدوانها ضد سوريا، خاصّةً أن كثيراً من المشكلات الداخليّة السوريّة تحرّكها إسرائيل بشكل أو بآخر. وبالنسبة إلى كلام الوزير عن اليهود السوريين، فتاريخياً الوجود اليهودي في سوريا يرجع إلى ما قبل قيام إسرائيل بزمان طويل، وكثر منهم بعد قيام إسرائيل بقوا في سوريا، وتعرّضوا لانتهاكات وتضييق من قبل نظام البعث دون وجه حق، ما دفع كثيرين منهم إلى الهجرة خارج سوريا، والأصل أنهم مواطنون سوريون انتُهِكت حقوقهم على أيدي نظام البعث البائد، ولن تسقط حقوقهم لمجرد أنهم يهود".
بحسب المتخصّصة في العلوم السياسيّة سميرة عرابي، "الإدارة الجديدة تعلم صعوبة أي عمل عسكري ضد إسرائيل بسبب فارق القوة الشاسع، والتخبطات الأمنيّة والداخليّة المتفاقمة، لذلك لجأت إلى أكثر الأشياء إغراء للأمريكيين، وهو بث التطمينات لصالح إسرائيل"
ويختم البابا، حديثه، بأنّ "الغاية من هذه التصريحات، تأكيد أن سوريا الجديدة دولة قائمة على أسس العدالة، والحرية، والقانون، وليست دولةً قمعيةً عنصريةً، وأنها دولة منفتحة على الحوار الإيجابي والدبلوماسي الفاعل، بعيداً عن الشعارات والعواطف".
"التعامل بواقعية"
من جهتها، توضح المتخصّصة في العلوم السياسيّة سميرة عرابي، لرصيف22، أنّ الموضوع "من دون شكّ، متعلّق بتسليم الإدارة السورية بموازين القوى على الأرض حالياً، وسط صعوبة فرض أي توازنات عسكريّة تجبر الإسرائيليين على الخروج من الأراضي التي احتلّوها في الجنوب السوري. ومن الواضح أنّ الإدارة الجديدة تعلم صعوبة أي عمل عسكري ضد إسرائيل بسبب فارق القوة الشاسع، والتخبطات الأمنيّة والداخليّة المتفاقمة، لذلك لجأت إلى أكثر الأشياء إغراء للأمريكيين، وهو بث التطمينات لصالح إسرائيل، سواء بالتصريح المباشر بعدم السماح بتشكيل أي تهديد ضد إسرائيل، أو بالإشارة إلى موضوع اليهود السوريين وحرّية عودتهم إلى بلدهم، وذلك لعجز الإدارة عن تلبية بعض الطلبات الأخرى المفروضة من واشنطن، خصوصاً موضوع إبعاد المقاتلين الأجانب، الأمر الذي يمنح الإدارة السوريّة فرصةً لتخفيف العقوبات، ويمنحها أوراق قوة مع بداية بروز الصدام مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والسويداء".
"محاولة لكسب الودّ"
"بعد الذي جرى من انتهاكات إسرائيلية في الساحل السوري، وما صاحبها من غضب دولي عكّر صفو العلاقة مع الإدارة السوريّة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، لم تبقَ لدمشق أي وسيلة لإبعاد خطر العقوبات عنها وعدم الاعتراف بإدارتها الجديدة، سوى اللعب بورقة إسرائيل لكسب ودّ واشنطن، فتارةً يُلمّح الشرع إلى أنّ أي فوضى في سوريا ستضُرّ العالم أجمع وليس دول الجوار فحسب، وتارةً أخرى يخرج تصريح عن عضو الكونغرس الأمريكي مارلين ستوتزمان، الذي زار دمشق مؤخراً، يؤكد فيه أنّ سوريا الجديدة منفتحة على الحوار والتطبيع مع إسرائيل"، يقول الباحث السياسي باسل خطاب، لرصيف22.
كما يشدّد خطاب على أنّ "كلام الوزير الشيباني أمام مجلس الأمن الذي اتكأ خلاله على عدم تهديد إسرائيل والتلويح بعودة اليهود السوريين إلى بلدهم كجزء من صورة الأمان والوئام التي تروّج لها الإدارة الجديدة، يؤكد لعب الإدارة الجديدة على ورقة إسرائيل في التعامل مع أمريكا، لعلمها بأنّ أمان تل أبيب، بوصلة العمل الأمريكي وغايته في الملف السوري"، متوقعاً أن "إرسال مؤشّرات تتعلّق بالانفتاح على العلاقة مع تل أبيب يجعل أمريكا أكثر ليونةً في باقي الطلبات بما فيها موضوع المقاتلين الأجانب الذين ترى دمشق أنها عاجزة عن حلّ ملفّهم كما تشترط واشنطن، ولذلك ترغب في كسب الوقت والفرصة للتفاوض أكثر على هذا الشرط، بالإضافة إلى موضوع العقوبات".
"كلام صادم"
إلى ذلك، يرى الناشط السياسي قيس البشير، في حديثه إلى رصيف22، أنّ كلام الشيباني أمام مجلس الأمن، ويخصّ حديثه عن عودة يهود سوريا إلى دمشق، "محاولة مبالغ فيها لتلطيف الأجواء مع واشنطن"، إذ لم يسبق أن ذكر مسؤول سوري على مدار عقود هذه النقطة التي لا يمكن فهمها إلا كمحاولة "تمسيح جوخ" لواشنطن وتل أبيب.
الناشط البشير: "ما خرج على لسان الوزير الشيباني أو أي مسؤول سوري آخر لا يمكنني قراءته إلا على أنه كلام صادم ويقلّل من حظوظ البلاد في تحصيل اتفاق سلام مُشرِّف في حال الذهاب في هذا الاتجاه مستقبلاً"
ويردف البشير: "نفهم عدم قدرة الدولة السورية الجديدة على مجابهة إسرائيل عسكرياً، فما جرى في سوريا في 14 عاماً مضت كفيل بتدمير أي قدرة عسكريّة. يضاف إلى ذلك انشغال الشارع السوري بهمومه الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ولكن هذا ليس حجةً لإظهار هذا الإقدام المبالغ فيه لـ'التطبيع' مع إسرائيل"، مضيفاً: "ما خرج على لسان الوزير الشيباني أو أي مسؤول سوري آخر لا يمكنني قراءته إلا على أنه كلام صادم ويقلّل من حظوظ البلاد في تحصيل اتفاق سلام مُشرِّف في حال الذهاب في هذا الاتجاه مستقبلاً".
في النهاية، يجد المواطن السوري البسيط نفسه مجبراً على الانخراط في لعبة التصريحات وما وراءها، ليس حبّاً في الشأن السياسي، ولا لامتلاكه أي رفاهية تؤهّله للتعامل مع هذه الأخبار، ولكن لأنّ رغيف الخبز اليومي أصبح بحاجة إلى إحلال الوفاق الوطني وحلّ القضايا الإقليمية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 13 ساعةيكرهون الحب يكرهون الحياة .. يكرهون النور .. يكرهون النساء
Basema Mohammed -
منذ 3 أيامالنص ناقد يسلط الضوء على الهوية الذكورية بلغة مباشرة وساخرة، ويطرح دعوة صادقة لإعادة تعريف...
Ghina Hashem -
منذ 4 أيامالحب حرام بس اعلامهم يلي ماجابت للبلد الا الدمار معليش يرفعوها نحنى محاربون في الشرق الاوسط كافة
ذوالفقار عباس -
منذ 5 أياما
Hossam Sami -
منذ 5 أيامصعود "أحزاب اليمين" نتيجة طبيعية جداً لرفض البعض; وعددهم ليس بالقليل أبداً. لفكرة الإندماج بل...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع و عظيم ..