المغرب 2035... مدوّنة الأسرة المغربية بأقلام النساء

المغرب 2035... مدوّنة الأسرة المغربية بأقلام النساء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الاثنين 5 مايو 202511:18 ص

يُنشر هذا النصّ ضمن "لنتخيّل"، وهو ملفّ مفتوح يضم نصوصاً، مدوّنات، قصصاً، مقابلات وتقارير صحافيةً نتخيّل من خلالها المستقبل الذي نوّد أن نعيش فيه، أو ذلك الذي سيُفرض علينا.


في عام 2035، اجتمعت النساء في المغرب حول طاولة واحدة. ليست طاولة مطبخ كما أرادها لهنّ التاريخ الأبوي، بل طاولة صياغة تشريعية أعادت تعريف ملامح الأسرة المغربية. قانون الأحوال الشخصية أو "مدوّنة الأسرة"، تلك الوثيقة التي لطالما حملت توقيع الفقهاء ورجال السلطة، أصبحت الآن من تأليف هيئة نسائية تعرف جيداً معنى أن تُقصى وتُهان وتساوَم على حقوقك باسم الدين أو الأعراف أو "المصلحة العليا للأسرة".

تحت شعار "أسرة بلا وصاية"، بدأت رحلة إعادة الكتابة. لم يكن الأمر مجرد إصلاح، بل ثورة ناعمة بخط نسوي جريء، قطع مع منطق الترقيع والاستثناءات، وتقدّم بقلب مفتوح نحو المساواة الكاملة، غير المنقوصة، ولا المشروطة.

في عام 2035، اجتمعت النساء في المغرب حول طاولة واحدة. ليست طاولة مطبخ كما أرادها لهنّ التاريخ الأبوي، بل طاولة صياغة تشريعية أعادت تعريف ملامح الأسرة المغربية.

مراجعة بعيون من عشن الخلل

المدوّنة الجديدة انطلقت من إقرار صريح بأنّ القوانين ليست مقدّسةً، وأنّ الواقع المغربي تطور بشكل أسرع بكثير من نصوص بقيت حبيسة منطق الألفية السابقة.

أكثر من 20 سنةً من تطبيق مدوّنة 2004، أظهر أنّ حسن النية لا يكفي، وأنّ النصوص القانونية إذا لم ترافقها إرادة سياسية قوية وأفق حقوقي صلب، تتحول إلى مجرد ورق فارغ.

لطالما شهد قانون الأحوال الشخصية ازدواجيةً في المرجعية القانونية؛ الدولة تسوّق لقانون مدني بواجهة عصرية، بينما تبقي على سلطة النصوص الدينية في تحديد مضامينه، ما أدى إلى إنتاج نص هجين، عاجز عن تحقيق العدالة.

المدوّنة النسوية جاءت لتمحو هذا التردد، وتؤسس لقانون واضح الهوية والملامح: حقوقي، إنساني، وقائم على المساواة لا التوازن الزائف.

من عقد تملّك إلى شراكة ندّية

في النسخة القديمة، كان الزواج عقداً يُشبه الصفقة: ولي، مهر، شرط الطاعة، وقوامة الرجل. أما في المدوّنة الجديدة، فأصبح الزواج اتفاقاً بين راشدين كاملين، لا يحتاج إلى إذن أي طرف ثالث، ولا يخضع لوصاية أحد. المرأة تزوّج نفسها، تختار من تحب، وتكتب شروطها بعينين مفتوحتين لا بدمعة خوف.

حتى المهر، لم يعد رمزاً لشراء العروس، بل صار خياراً رمزياً، يتفق عليه الطرفان. "لا يُشترى من لا يُقدّر بثمن"؛ هكذا كتبت لجنة الصياغة في الهوامش.

الزواج صار عقد شراكة مبنياً على الندّية والمسؤولية المتقاسمة، فلم يعد يشترط أن تكون المرأة "بكراً" ولا الرجل "كفئاً"، وفق معايير النسب أو المال. أصبحت الكفاءة تعني الاحترام والمسؤولية.

الزوجة ليست "مطواعةً"، بل شريكة. والزوج ليس "ربّ البيت"، بل مسؤول عن نفسه وأسرته.

الطلاق لم يعد سلاحاً بيد الرجل أو امتيازاً ذكورياً يمارَس بإشارة إصبع، ولا عملية استنزاف عاطفي ومالي للمرأة، بل حقّ متساوٍ للطرفين.


إثبات النسب… العلم يتكلّم 

واحد من أكبر الاختراقات الحقوقية في المدوّنة القديمة، كان عدم اللجوء إلى الخبرة الجينية لإثبات النسب.

أما اليوم، فلم يعد إنكار النسب ممكناً في ظلّ وجود وسيلة علمية دقيقة تنهي الجدل، وتحمي الأطفال من أن يكونوا ضحايا خطايا لم يرتكبوها، حيث إنّ المدوّنة الجديدة عدّت النسب مسؤوليةً اجتماعيةً وقانونيةً لا عقدية فحسب. فطفل وُلد خارج الزواج لا يعني أنه خارج الحياة، وله الحق في اسم، وأب، وأمّ، وهوية قانونية واضحة.

هذا الإجراء لم يهدف إلى حماية الأطفال فحسب، بل أيضاً إلى القطع مع تملّص الرجال من المسؤولية، بعد أن كان المجتمع يغفر لهم ويدين النساء وحدهن.

الطلاق… لا مجال للابتزاز

الطلاق لم يعد سلاحاً بيد الرجل أو امتيازاً ذكورياً يمارَس بإشارة إصبع، ولا عملية استنزاف عاطفي ومالي للمرأة، بل حقّ متساوٍ للطرفين.

في القانون الجديد، يمكن لأي طرف إنهاء العلاقة باتفاق أو من دونه، دون حاجة إلى تعليلات تمتحن الكرامة أو تطلب إذناً من أحد.

بيت الطاعة أصبح من الماضي. فلا طاعة تُفرض خارج المودة والرحمة، و"الطلاق الرجعي" لم يعد وسيلةً لإبقاء المرأة في وضع انتظاري مهين. فلا رجعة إلا برضا الطرفين. وبذلك أصبح الانفصال خاضعاً لمعايير العدالة والمصلحة المشتركة، لا لمنطق العقاب.

السلطة الأبوية… إسقاط القداسة

وضعت المدوّنة الجديدة الأطفال في قلب الاهتمام على اعتبار أنهم ليسوا رهائن طلاق أو زواج. فلم يعد الطفل مجرد تابع للأب، بل صار كائناً مستقلّاً تُحترم مصلحته الفضلى.

المرأة اليوم تملك حق الولاية، الحضانة، وحتى التسجيل القانوني للطفل دون موافقة الأب، خاصةً في حالات الإنكار أو الغياب. كما شرّعت آليات لحماية الأطفال من العنف داخل الأسرة، ولتأمين رعايتهم في حالات الانفصال، دون تعقيد أو بيروقراطية.

وعليه، لم تعد الأبوّة حصناً ضد المحاسبة، حيث يمكن للنساء أن يمنحن الجنسية لأبنائهن دون شرط زواج، ويمكن للأمهات أن يكنّ أولياء على أولادهن دون انتظار غياب الأب. فكل من يعتني، يحب، ويتحمل المسؤولية، وليّ بغض النظر عن جنسه.

حتى في الحضانة، لم تعد الأم مهددةً بسحب أطفالها لأنها تزوجت ثانيةً، ولم يعد الأب يلوّح بالحضانة كسلاح في معركة الطلاق.

لعلّ أبرز النقاط التي تغيّرت في باب الإرث هي "التعصيب". المدوّنة النسوية ألغت قاعدة التعصيب، التي كانت تسمح لأقارب ذكور بعيدين بأن يرثوا نصيباً من التركة على حساب النساء اللواتي شاركن في بناء الثروة.


الإرث… العدالة بدل القسمة غير المتكافئة

كان هذا الفصل الأكثر جدلاً، لكنه لم يكن الأصعب على النساء. ففي النسخة النسوية من المدوّنة، لم يُقسم الإرث وفق قاعدة "للذكر مثل حظ الأنثيين"، بل وفق قاعدة المساواة التامة.

المرأة اليوم ترث مثلما تنتج، دون انتقاص أو تفضيل ذكوري. وهذه ليست مساواةً نظريةً، بل عدالة مجتمعية تردّ للنساء جزءاً مما سُلب منهنّ لقرون مضت، "المساواة ليست مطلباً فحسب، بل عدالة متأخرة".

تم تعويض مفاهيم التمييز الجندري بآليات توزيع عادلة تضع في الحسبان المساهمة الاقتصادية والعاطفية في بناء الأسرة.

ولعلّ أبرز النقاط التي تغيّرت في باب الإرث هي "التعصيب". المدوّنة النسوية ألغت قاعدة التعصيب، التي كانت تسمح لأقارب ذكور بعيدين بأن يرثوا نصيباً من التركة على حساب النساء اللواتي شاركن في بناء الثروة.

مرجعية حقوقية لا تعترف بالتمييز بين النوعين

المدوّنة الجديدة أعلنت انفتاحها الصريح على المرجعية الحقوقية الكونية.

لم يعد الدين يُستخدم كذريعة لتجميد حقوق النساء، بل تمّت إعادة قراءته بمنطق يراعي الواقع، ويعلي من الكرامة.

فلا يمكن لدولة تسعى إلى تكافؤ الفرص أن تبقي على فصول قانونية تميّز بين المواطنين حسب نوعهم البيولوجي أو وضعهم العائلي.

المدوّنة النسوية أنهت زمن التأويلات الأحادية، وأدخلت المغرب في مصاف الدول التي تفصل بين القانون المدني والنصوص الدينية، دون أن تلغي مكانة الدين، بل أعادت تأويله بشكل عادل.

لم يعد الدين يُستخدم كذريعة لتجميد حقوق النساء، بل تمّت إعادة قراءته بمنطق يراعي الواقع، ويعلي من الكرامة.

عندما صاغت النساء مدوّنة الأسرة، لم يهدفنّ إلى حماية أنفسهن فحسب، بل إلى إعادة صياغة معنى "الأسرة".

هذه الأخيرة لم تعد سلطةً أبويةً مصغّرةً، بل مساحة حب ورعاية متبادلة. ولم تعد الأمومة واجباً فيزيولوجيا، ولا الأبوة مرادفاً للقوامة.

أصبحت الأسرة نموذجاً للعدالة الاجتماعية، تربى فيها الأجيال على المساواة لا على التسلسل الهرمي.

شعرت النساء المغربيات لأول مرة بأنهنّ مواطنات كاملات، لا موضوعات في يد الدولة أو المجتمع أو الفقه.

أما على الصعيد الدولي، فقد وُصفت مدوّنة الأسرة المغربية، بأنها "نقلة تشريعية نوعية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط".

وفي مقدمة المدوّنة كُتب بخطّ عريض:

"لقد تعبنا من أن نكون موضوعاً للنقاش، أو موضوعاً للحماية. أردنا أن نكون صانعات للقوانين، لا متلقّيات لها. وهذه المدوّنة ليست النهاية، بل بداية تاريخ تكتبه النساء بأقلام لا ترتجف".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image
OSZAR »